أيام فخر الدين: "كجك أحمد" عايش فيهن
بقلم: ميساء مقدم*
"- بدكن الاستقلال؟
- بدنا الاستقلال.
- خدوه بالقوَّة... بضربة السيف اللي بتضوّي".
"أيّام فخر الدين"، واحدة من أكثر اللوحات المسرحيَّة رسوخًا في الذاكرة اللبنانيَّة. ترجمت التاريخ إلى قصّة شعبيَّة محكيّة وغنّت الاستقلال، فتحوّلت إلى تراثٍ وطنيٍّ جامع. رمزيَّة الأمير فخر الدين، كما قدّمها الرحبانيّان، تجاوزت حدود السيرة التاريخيَّة إلى أن أصبحت علامة سياسيَّة وثقافيَّة تستعاد دلالاتها في كلِّ محطَّة مفصليَّة، تمامًا كما يحدث اليوم. فالمسرحيَّة، التي قدّمت نموذجًا للاستقلال ومشروع الدولة المستقلّة، تستعاد اليوم لملاحظة بعض المفارقات في الواقع اللبناني.
* الاستقلال بالقوّة.. بضربة السيف
"أيام فخر الدين"، دعا الأمير الناس إلى أخد الاستقلال "بالقوَّة"، "بضربة السيف اللي بتضوّي"، استثنى المفاوضات، ولم يوفد رجاله إلى السلطنة، بل وزّعهم على الجبهات.
كانت رؤية الأمير كما قالها لعطر الليل: "أنا بسيفي بحرّر هالمناطق، وبحقّق لبنان.. وإنتِ بالغنيّة بتخلّي له اسمه يزهّر وين ما كان".
حينها، صفّق اللبنانيون لفلسفة التحرير بالقوّة، ولثنائيَّة السيف الذي يحرّر، والأغنية التي تحفظ الهويَّة. فكيف انقلب مشهد بعض المصفّقين بين زمن المسرحيَّة وزمن السياسة اليوم؟
ما حدث يومها مشابه لما يدور اليوم في واقعنا.
* من "الكجك أحمد" إلى "السياديين الجدد"
تُظهر المسرحية نموذج الخائن الذي يعطّل مشروع التحرير من داخل الدولة. "الكجك أحمد" لم تعجبه مكانته في مسيرة استقلال فخر الدين، فاختار الخيانة.
سافر إلى اسطنبول لكي يعجّل بـ"الحلِّ العسكري" ضدّ لبنان: "رايح عا اسطنبول... ما بتنتهي قصة المير إلّا بحربٍ كبيرة".
وكان يشي على أغاني "عطر الليل" التي تدعو بين الناس إلى الصمود. فبمن يذكرنا "كجك أحمد" اليوم؟ بفريق سياسي يدّعي الاقتداء بفخر الدين، لكنَّه كما "الكجك أحمد"، يشي بالسياديين لدى الأميركيين ويستدعي العقوبات ضدَّ المؤسَّسات الداعمة للصمود، ويستعجل "الحلّ العسكري" ضدَّ لبنان.
* الخائن ملعون
خلافًا للمشهد الحالي، حيث يرتدي الخونة ربطات العنق ويتربّعون على مناصب "مرموقة" في الدولة، كان هؤلاء "أيّام فخر الدين" جماعة ملعونة:
"منحلف بشرفنا، بالأرز العتيق، بمجدنا الجايي، بالعزَّ اللي كان، وبكل حبّة تراب، من أرض لبنان، وبحق الإنسان، يتمتع بالكرامِه ويعيش بأمان، وكل اللي بيتراجع، وكل اللي بيخون، بيكون ملعون، ييبس متل التينِه، اللي وحدا بالجرد".
هذه النظرة الأخلاقيَّة الحادّة الرافضة للخيانة، تتناقض تمامًا مع محاولات لبنانيَّة للتطبيع مع فكرة الخيانة، بل وتفاخر البعض بتبعيته للخارج.
* شو بيعمل العسكري بـ"إيام فخر الدين"؟ هل يستسلم ويرضخ للشروط والذل أم يصمد ويدافع؟
في المسرحية التي أحبّها اللبنانيون، العسكري يقوم بدوره الطبيعي بحماية بلاده. يقول عباس والد عطر الليل: "العسكري ما بيسأل منزله البارودة بيحملا وبيرحل.. وين ما تنقلنا بهالوطن نحنا منتنقل"… و"إن يـِهـْدُر الشـمالي قوليلن ناطرين".
* ماذا عن الخسارة؟ فخر الدين يوصي عطر الليل "وإذا يا عطر الليل صار ما صار وانكسر السيف بتكمّل الغنيّة". والأغنية هي رمز لبنان، الذي يبقى ويصمد ولا يستسلم.
كانت هذه فلسفة الرحابنة التي جعلت من الأغنية فعل مقاومة، ومن التاريخ مناسبة لتذكر العِبَر. فالوطن لا يموت، والاستقلال يؤخذ بالقوة لا بالمفاوضات، والخائن ملعون لا يُمَجَّد.
بين الأمس واليوم، لم تتبدّل الأدوار:
من يقاتل من أجل استقلال لبنان؟
ومن يشي به عند الأجنبي؟
من يصمد؟ ومن يستجدي؟
من يحمل السيف؟ ومن يكسره؟
ومن يكمل الأغنية؟
من "خبطة قدمكن عالأرض هدّارة" إلى "بيّي راح مع العسكر"، دوّن الرحابنة عقيدة صمود للبنان بالفن، يُقتبس منها لكل معركة استقلال تستدعي الحفاظ على وجود لبنان.
*صحافيّة